6/05/2008

برنامج حزب الوسط الجديد (تحت التاسيس)

تمهيد

يؤمن مؤسسو حزب الوسط الجديد أن الأوطان الحرة لا تملك ترف الاستغناء عن جهود المخلصين من أبنائها ، ولا إهمال رأي فريق منهم ، ويعتقدون أن الأوطان في الأوقات العصيبة التي تهاجم فيها ثقافتها وحضارتها وتاريخها وواقعها ، أعظم حاجة إلى جهد كل مواطن ، وكل جماعة ؛ ليتضامن السعي البناء والجهد المخلص في مواجهة القصد الفاسد والعمل الخبيث ، حتى يرتقي الوطن ويتطور المجتمع ويحقق آماله ويصل إلى غاياته .
ومصر العزيزة أغلى على أبنائها وبناتها من أن يترك أمرها لبعضهم دون سائرهم ، ومن أن يقعد عن المساهمة في إقالتها من عثرتها الراهنة قادر على ذلك بالفكر والرأي والعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي جميعًا .
لهذا وغير ه فإن رؤية مؤسسي حزب الوسط الجديد تنطلق من أن ما يجري في مصر وحولها أمر ضخم سيغير ملامح العالم ، وفي القلب منه منطقتنا ، وأن هذا التغيير لن يقف عند حدود معينة بل سيطال الأنظمة الحاكمة قبل الشعوب ، ويشمل البنية الثقافية والقيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية..إلخ ، وسيطرح توازانات قوى سياسية وثقافية وحضارية جديدة ، وذلك إيذاناً ببدء حقبة جديدة في تاريخ العالم والنظام الدولي .
ويعتقد المؤسسون أن ما يجري هو لحظة كاشفة لمجمل أوضاع تتعلق بنا نحن العرب والمسلمين ؛ أوضاع قابليات استعمار مباشر ووهن سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي دفع بالطامعين إلى التداعي علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.
ويرى المؤسسون أن حركة العالم تتجه نحو اتجاهات شتى ، إلا أن الأبرز فيها هو اتجاه العدالة في مقابل اتجاه الهيمنة والاستبداد ؛ فحركة الأحداث أبرزت أن العالم الآن يمكن أن ينقسم وفق محاور جديدة تقوم على الهيمنة والطغيان من جهة في مقابل قوى وأطراف وأفكار ومصالح كثيرة ومتنوعة في جهة أخرى ، تسعى لمقاومة هذه الهيمنة والانتصار عليها عبر تجاوز الانقسامات الدينية والعرقية والوطنية ، وتتجه أكثر فأكثر نحو المشترك الإنساني العام.
إن هذه الأوضاع في مجملها تقتضي عملا ًجادًا في طريق بلورة خطاب وطني جديد ؛ يستوعب متغيرات الواقع و ويهدف إلى التغلب على مشكلاته ، ويدعو إلى ابتكار صيغ عملية للإصلاح ، تكون قادرة على مقاومة الهيمنة بيد ، وبناء النهضة باليد الأخرى ، وهو في ذلك كله خطاب منفتح على العالم ، ساع للمشاركة في بلورة الحركة العالمية الرامية لتفعيل القيم الإنسانية المشتركة بين البشر.
إن طريق الإصلاح الذاتي ـ كما يري المؤسسون ـ ينبني على قيمنا الحضارية وخصوصيتنا الثقافية المستمدين ـ أصلا وأساسًا ـ من الدين الذي يؤمن به المصريون كافة ، إسلامًا كان أو مسيحية. وهم يرون أن مرجعية الإسلام العامة في هذا الوطن محل احترام بنيه أجمعين ؛ فهي بالنسبة للمسلمين مرجعية دينهم الذي به يحيون وعليه يموتون ويبعثون، وهي بالنسبة لغير المسلمين مرجعية الحضارة التي بها تميزت بلادهم ، وفي ظلالها أبدع مفكروهم وعلماؤهم وقادتهم ، وبلغتها نطق وعاظهم وقديسوهم ، ولهم في إنجازاتها كلها دور مشهود وجهد غير منكور ، وهم فيها صناع أصلاء ، وفي ظلال غيرها من الحضارات أتباع أو دخلاء ، ولذلك فإن السعي ـ بالوسائل الديمقراطية ـ إلى تطبيق المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع " ، سيكون عملاً أساسيًا يضعه الحزب في مركز اهتماماته .
ومهمة المؤسسين حين يسعون إلى جعل الشريعة متفاعلة مع جوانب الحياة جميعًا؛ هي تخير الاجتهادات التي لا تصيب حركة المجتمع بالشلل ؛ بل تدفعه للأمام ، ولا تعرقل خطوات تطوره ؛ بل تسهم في زيادة سرعتها ، ولا تعوقه عن التقدم المنشود ؛ بل تقربه من هذا التقدم يوماً بعد يوم. وهم يعتقدون أن ما يقدمونه في ذلك اجتهادات بشرية تستضئ بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها الأساسية ، ولكنها تظل اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ ، وقابلة للأخذ والرد ، والنقد والمراجعة ، كما أنها قابلة أيضاً لإعادة النظر والتغيير من زمان لزمان ومن مكان لمكان.
ومن أهم بواعث الرغبة لدى المؤسسين في وضع الشريعة الإسلامية موضع التطبيق : تحقيق حياة أفضل تسودها الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين المصريين كافة ؛ فليست الشريعة في نظر المؤسسين ـ مجرد نصوص تتلى وأحكام تطبقها المحاكم ، ولكنها قيم ومعايير مرجعية يتحاكم الناس إليها فيما بينهم ـ حتى ولم تتدخل الدولة ومحاكمها ، على أن يعطي كل ذي حق حقه ، ويكون هدف الجميع هو السعي إلى تفعليها في جوانب الحياة جميعاً.
وعلى أساس من هذه المفاهيم وغيرها مما ورد تفصيلا في هذا البرنامج ،يتقدم مؤسسو حزب الوسط الجديد ببرنامجهم إلى الشعب المصري آملين أن يُمكنوا من العمل على رفعته، والدعوة إلى مبادئه رغبة في خدمة الوطن وأهله ، وأمتنا العربية والإسلامية والعالم كله من بعد.
وعلى هدى ما سبق صاغ مؤسسو حزب الوسط الجديد المعالم الرئيسية لبرنامجهم ؛ مركزين على نقاط التميز وأولويات الاهتمام ، ولم يذكروا قضايا كثيرة ؛ ليس بسبب عدم أهميتها وإنما لكونهم يتفقون في مضمونها مع كثير من الرؤى السياسية المطروحة .

أولا ـ المحور السياسي
في الحريات العامة والإصلاح السياسي

يرى المؤسسون أن أساس الإصلاح في مصر والضامن لاستمراره هو إطلاق الحريات العامة ؛ التي هي مقدمة النهضة والشرط الضروري لتحقيق المقاصد العامة للشريعة من حرمة النفس الإنسانية ، وحفظ العقل وتفعيل دوره في الحياة ، وحرية الاعتقاد ، وحرمة المال العام والخاص ، وصيانة العرض وكرامة الإنسان .
ويؤمن المؤسسون أن إطلاق المشروع الوطني للإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يمنع التدخلات الأجنبية التي تحاول أن تفرض نموذجاً سياسيًا معينًا لا يراعي خصوصية المجتمع المصري ، ولا يقيم وزناً لتاريخه السياسي ونضاله الوطني والديمقراطي، إلا أن الأهم هو أن المؤسسين يرون أن إطلاق الحريات العامة وتحقيق الإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يزيد قوة المجتمع في مواجهة التحديات الخارجية ، التي تأتي في مقدمتها الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب والأوطان . كما أن إطلاق الحريات يؤدي إلى دعم الاستقرار ، وعدم تعرض المجتمع لهزات وقلاقل نتيجة استمرار الأوضاع الراهنة.
إن المؤسسين يؤكدون التزامهم بالمبادئ والأسس التالية ويرون أنها السبيل لإقرار الحريات العامة والإصلاح السياسي:-
1- الشعب مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام ، وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تتفق ومصالحه .
2- احترام حق التداول السلمي للسلطة عبر الاقتراع العام الحر والنزيه ، ووجوب تحديد مدد زمنية لشغل المواقع الأساسية في قمة السلطة العامة.
3- المواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصري ، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق في جميع الحقوق والالتزامات وتولى المناصب والولايات العامة .
4- تأكيد حرية الاعتقاد الخاص ، وإقامة الشعائر الدينية بحرية لجميع الأديان السماوية.
5- إقرار التعددية الفكرية والسياسية ، والحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كافة ، وأن تكون الجهات الإدارية عوناً لها في أداء مهماتها ، ولا يكون لأية جهة إدارية حق التدخل بالمنع أو التضييق من حدود هذا الحق ، وأن تكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتقرير ما هو مخالف للنظام العام والمقومات الأساسية للمجتمع ، أو ما يعد إخلالا بالتزام العمل السلمي أو عدم الالتجاء للعنف أو التهديد به.
6- المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الأهلية السياسية ، والقانونية ؛ فمعيار تولي المناصب والولايات العامة مثل القضاء ورئاسة الدولة هو الكفاءة والأهلية والقدرة على القيام بمسؤلياتها وليس الجنس .
7- تأكيد حرية الرأي والتعبير عنه والدعوة إليه . وتعتبر حرية تدفق المعلومات ، وإنشاء وسائل الإعلام وتملكها ضرورة لتحقيق ذلك.
8- احترام الكرامة الإنسانية وجميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، التي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية .
9- تفعيل مؤسسات الأمة من اتحادات ونقابات وجمعيات ونوادٍ وغيرها ، بما يعيد التوازن إلى علاقة الدولة بالمجتمع المدني .
10- إقرار حق التظاهر والإضراب السلميين والاجتماعات العامة والدعوة إليها والمشاركة فيها.
11- التوسع في تولي المناصب بالانتخاب ، وخاصة المناصب ذات العلاقة المباشرة بجماهير المواطنين [عمد القرى ـ رؤساء الأحياء ـ المحافظون...].
إن تهيئة الأوضاع لتحقيق هذه المبادئ العامة يتطلب الإسراع في تطبيق مجموعة كبيرة من الإجراءات أهمها:-
1- إلغاء جميع القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية أو الخاصة ، ورفع حالة الطوارئ عن البلاد ، وعدم العودة إليها إلا في حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية وبمقدار ما تمليه الضرورة الناشئة عن أي منها.
2- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ، وإنهاء ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان.
3- توفير الضمانات لحيدة الانتخابات العامة بإشراف قضائي كامل على كل مراحل العملية الانتخابية .
4- إطلاق حرية العمل الطلابي والنشاط الجامعي .
5- تعزيز آليات الشفافية والمحاسبة بما يحول دون ظهور الفساد فضلا ًعن استشرائه.
6- توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة للنقابات المهنية وكذا العمالية.
7- العمل على استقلال مؤسسة الأزهر ماليًا وإدارياً عن بيروقراطية الدولة ، مع السعي الحثيث لإصلاحه وتدعيم دوره في تقديم الفكر المعتدل ؛ بما يكفل قيامه بالمهام المنوطة به في الدعوة والإرشاد والتعليم محليا وإقليميًا وعالميًا ، ومن ثم دعم مكانة مصر إقليمياً وعالمياً.
8- تحقيق استقلال القضاء استقلالا تامًا عن السلطة التنفيذية على النحو الذي أكدته مؤتمرات القضاة وبياناتهم العديدة ؛ بحيث لا يكون لأية جهة ـ سوى مجلس القضاء الأعلى ـ أي اختصاص يتعلق بالعمل القضائي أو تعيين القضاة أو ندبهم وإعارتهم أو توليتهم مناصب إشرافية ، وتحقيق الاستقلال المالي للسلطة القضائية بإدراج ميزانيتها رقمًا واحدًا مجملا في ميزانية الدولة .

ثانياً ـ المحور الاقتصادي
السياسة الاقتصادية

يرى المؤسسون إن بناء اقتصاد قوى يحقق الرفاهية للشعب وقادر على التعامل مع الواقع العالمي لابد إن يعتمد أولا على بناء الإنسان الصالح جسداً وعقلا ً وروحًا ، وهذا ما صاغته محتويات هذا البرنامج في مواضع متعددة منه . وعليه فإن سياستنا الاقتصادية تندرج ضمن ثلاثة محاور رئيسية ، أولها عبارة عن مجموعة المبادئ الأساسية التي تشكل رؤيتنا لتوجه الدولة في المجال الاقتصادي ، وثانيها يتناول أهم القضايا الاقتصادية التي نرى أن البدء بحلها هو مفتاح لحل باقي القضايا ، وثالثها يختص بأهم قضايا التعاون الاقتصادي الإقليمي العربي ، والعالمي .
(أ) المبادئ الأساسية:
1ـ تهيئة مناخ الأعمال للاستثمار في مصر
يمثل مناخ الأعمال البنية الأساسية اللازمة لنجاح أي نشاط اقتصادي . ويرى المؤسسون أن الثقة في الحكومة المسؤولة عن إدارة المجتمع ، وخاصة الثقة في سياستها الاقتصادية ، تأتي على رأس بنود مناخ الأعمال . ويرون أيضاً أن شيوع عدم الثقة , وخاصة في السنوات الأخيرة , كان من أهم أوجه الضعف التي عانى منها الاقتصاد المصري ولا يزال . ومن هنا فإن بداية الانطلاق الحقيقي للاقتصاد لا تتحقق إلا بتوافر الثقة و إزالة معوقات الاستثمار كافة .
2ـ دور القطاع الخاص
يؤكد المؤسسون على أن الاقتصاد الوطني الناجح يجب أن يقوم على أساس حرية القطاع الخاص , دون احتكار أو استغلال ، وبشرط أن يكون هدفه الأساسي هو الاستثمار الأمثل لثروات البلاد تحقيقاً للاستقلال والتقدم الاقتصادي ، و إن حدث تعثر في بعض الحالات فواجب الدولة إصلاح المسار أو الإقالة من العثرات , لا توجيه التهم الجنائية والإحالة إلى المحاكم ، إلا في حالات الانحراف ومخالفة القانون التي تستوجب المحاكمة أمام القضاء المختص .
3ـ دور الدولة
يرى المؤسسون أن على الدولة القيام بالأدوار الآتية :
أ ـ إنشاء وتحديث الخريطة الاستثمارية ؛ وذلك لبيان أولويات المشروعات في مصر ، مع تقديم الدعم والحوافز لإقامة المشروعات المتوافقة مع تلك الأولويات .
ب ـ تنظيم و مراقبة السوق لحماية الضعفاء في إطار القانون , والعمل على عدم انتهاك القواعد الأخلاقية والقانونية لاقتصاد السوق , و محاربة الاحتكار , و حماية حقوق العمال , و المستهلكين , و مراعاة القواعد الصحية و إجراءات السلامة , و حماية البيئة .
ج ـ القيام بدور نشط في مجال الإنتاج و الاستثمار في المجالات الأمنية و الاستراتيجية ، أو التي تقوم على استغلال و إدارة الموارد الطبيعية مثل النفط ، أو المرافق العامة الحيوية مثل قناة السويس .
4ـ تشجيع الاقتصاد الاجتماعي
تحقيقا للمشاركة الشعبية ومشاركة المؤسسات الأهلية في تقديم النفع لجمهور المواطنين ، و في دعم خطط التنمية و إطلاق طاقات الخير و الإبداع لدى المواطنين كافة ، وللتخفيف عن كاهل الموازنة العامة ،فإن المؤسسين يرون ضرورة تشجيع ودعم قطاع الاقتصاد الاجتماعي، وذلك بعدة طرق أهمها الآتي :
أ ـ الزكاة : تقوم مؤسسة أهلية لجمع الزكاة وإنفاقها في مصارفها ؛ وهى تضمن حداً أدنى لمستوى المعيشة لجميع المحتاجين في المجتمع . و يرى المؤسسون أن دور الزكاة يمتد لأبعد من ذلك في تمويل و دعم المشروعات الصغيرة ؛ بما يسهم في القضاء على مشكلة البطالة في المجتمع , ويسهم كذلك في الحد من تزايد ظاهرة الفقر .
ب ـ تشجيع الوقف الخيري و دعمه تشريعياً بإصلاح قانون الوقف رقم 48لسنة 1946 والقوانين المعدلة له ، و تقديم التيسيرات و الإعفاءات اللازمة لإنجاح تلك المؤسسات الأهلية التي تعتمد في تمويلها عليه في تنفيذ مشروعاتها وبرامجها التنموية .
ج ـ ترشيد استخدام الصدقات و النذور في دعم المشروعات الصغيرة و إقامة نظام فعال لفكرة الأسر المنتجة .
د ـ تجديد ثقافة العطاء والعمل التطوعي ، وإدخالها ضمن المقررات الدراسية في مختلف المراحل التعليمية من الروضة إلى الجامعة ، ووضع برامج لنشر هذه الثقافة وتعميمها بأساليب جديدة ومبتكرة عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ، وتوظيف جانب من الأعمال الفنية والترفيهية لخدمة هذه الثقافة وإكسابها القدرة على التوسع الاجتماعي .
5ـ المشاركات الاقتصادية الإقليمية و العالمية
لا تستطيع أي دولة في عصرنا الراهن أن تواجه مشاكلها الاقتصادية دون مشاركة واعية مع أطراف إقليمية وعالمية . و مصر تملك عمقاً استراتيجياً لابد من التعويل علية لصنع القوة الاقتصادية التي يتطلبها الواقع الاقتصادي العالمي . و الدول العربية و الإسلامية توفر هذا العمق بفضل تنوع مناخها و زراعتها و تنوع مواردها الطبيعية والبشرية ؛ لذلك يرى المؤسسون ضرورة المبادرة إلي تكوين مؤسسات التكامل الاقتصادي مع الدول العربية والإسلامية والأفريقية ، كما يؤكدون على ضرورة الدخول في مشاركات اقتصادية عالمية تحقق المصالح المشتركة للأطراف الداخلة فيها كافة .
(ب ) ـ الاقتصاد المصري : المشكلات والحلول
عرض إجمالي لمشاكل الاقتصاد المصري (2003 ):
أ ـ إن العجز في الموازنة العامة أصبح سمة أساسية من سمات الموازنة المصرية ، و الخطير أن الموازنة الجارية كانت تحقق فائضاً ؛ أي أنه كان هناك ادخار حكومي حتى عام 99/2000 ، ثم انقلب هذا الفائض إلى عجز بعد تلك السنة ، ومعنى هذا أن الحكومة لم تعد تضيف إلى المدخرات الوطنية من خلال الموازنة العامة ، بل أصبحت مصدر استقطاع منها . فالعجز الكلى ارتفع من 2.8 مليار جنيه في ختامي 1997/1998 إلى 28 مليار جنيه في التقدير المبدئي لختامي 2002/2003 ، أي أن العجز ارتفع إلى عشرة أضعاف مستواه في 1997/1998 ، و ها هو ذا يصل إلى 52.3 مليار جنيه في مشروع موازنة 2004/2005 ؛ أي انه ارتفع إلى حوالي سبعة عشر ضعف مستوى العجز الكلى منذ سبع سنوات فقط ! . و تدهور الحال من سنة لأخرى ينذر بعواقب وخيمة ، و على رأسها ارتفاع الأسعار التي تعانى منها غالبية المواطنين من أبناء الشعب المصري . و ثاني هذه الأخطار هو الارتفاع المتواصل للدين العام الذي جاوز 500 مليار جنيه سنة 2003 ، أي بما يعادل 140% من الناتج المحلى الإجمالي , مما يهدد التنمية و مستقبلها في مصر تهديداً غير مسبوق .
ب ـ نتيجة العجز المتزايد سنوياً ، ارتفع الدين المحلى من 217 مليار جنيه سنة 1998 و هي بداية فترة الحكومة الحالية و تضاعف في أوائل عام 2004 حيث وصل إلى 400 مليار جنيه تقريباً ؛ أي بما يجاوز الناتج المحلى الإجمالي . و بعد أن عجزت الحكومة عن السداد النقدي فها هي ذي تلجأ لحيلة السداد العيني بنقل ملكية بعض الأصول إلى هيئة التأمينات الاجتماعية ، و في هذا ضياع لحقوق أصحاب المعاشات و الأرامل و الأيتام الذين أقرضت الهيئة أموالهم للحكومة .
ج ـ ارتفاع معدلات البطالة إلى حدود تقترب من 20% من حجم قوة العمل ؛ الأمر الذي ينطوي على كثير من المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
د ـ انخفاض معدل النمو إلى2.3 % سنوياً بعد أن وصل في أوائل التسعينيات إلى حوالى5% .
هـ ـ الارتفاع الجنوني لأسعار أغلب السلع الأساسية ، خاصة الغذائية التي تهم الطبقات الفقيرة نتيجة لسياسة تحرير سعر الصرف التي أعلن عنها فجأة في يناير 2003.
و ـ لازالت مشكلة المتعثرين في سداد أموال البنوك بلا حل ، مما يهدد العملية الإنتاجية بكاملها ومما يهدد باستمرار ظاهرة الركود الحالية بآثارها المدمرة على الاقتصاد .
ز ـ عدم كفاءة آليات تسوية المنازعات بسبب إطالة الوقت ؛ حيث تؤدي إطالته إلى زيادة تكلفة التقاضي ، بالإضافة إلى قلة الخبرة القضائية المتخصصة في المنازعات التجارية والبحرية و منازعات سوق المال والبورصات وغيرها .
ح ـ إن ترتيب مصر في" التقرير العالمي عن القدرة التنافسية " يتراجع من عام لآخر ؛ حيث أصبحت مصر في الموقع 62 من بين 101 دولة شملها التقرير. وقد اتسعت الفجوة بين مصر وكل من الأردن وجنوب أفريقيا ، وقد كان كل منهما يشغل مكانة أدني من مصر منذ ست سنوات فقط ، ومازالت هناك فجوة بين مصر وكل من المغرب وتونس .
إن المؤسسين يدركون أن إن بيئة الأعمال في مصر تعانى من كثير من المعوقات لعل أهمها :-
1- عدم توافر الثقة في إدارة السياسات الاقتصادية ، وخاصة فيما يتعلق بالكساد الذي طال أمده مقترناً بالتطورات المفاجئة في سعر الصرف.
2- ارتفاع معدل الضريبة الفعلي في مصر بحيث أصبح أعلى منه في الدول الأخرى المجاورة.
3- تتسم إجراءات الجمارك بعدم الكفاءة و البيروقراطية و التباطؤ الشديد في الإفراج عن السلع الواردة أو المصدرة .
4- ارتفاع سعر الفائدة ، بالإضافة إلى تركيز البنوك على الإقراض التجاري قصير الأجل بدلا ً من التمويل طويل الأجل , و لا يزال دور البورصة في تمويل القطاع الخاص غير ذي أهمية حتى الآن .
5- جمود الأداء البيروقراطي ، و تعدد الإجراءات و الاشتراطات ، وضعف الشفافية ووجود فترات تأخير طويلة لإعطاء الموافقات التي تطلب من أصحاب المشروعات .
و في سبيل التغلب على تلك المشكلات ، يرى المؤسسون ضرورة تنفيذ حزمة من الإصلاحات التي يمكن التعبير عنها في الإجراءات الآتية :
1- تصميم منظومة متكاملة للضرائب تحقق الكفاءة والعدالة ، والنظر في إمكانية تخفيض سعر الضريبة لتشجع الاستثمار والمساعدة على الالتزام بأداء الضريبة المفروضة بالقانون. مع السماح للمحافظات بتحصيل نسبة من الضرائب المحصلة لديها لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين , وإنشاء محاكم متخصصة للضرائب ، و إعادة النظر في نظام حوافز التحصيل . وليست هناك جدوى كبيرة لإصلاح القانون إذا كان نظام التحصيل سيظل على مشاكله الحالية , مع ضرورة إعطاء حوافز للسداد الفوري وتحقيق الشفافية التي سوف توفر وازعاً أخلاقياً للالتزام بالضرائب .
2- تطوير الجهاز المصرفي وتحقيق الاستقلال الحقيقي للبنك المركزي ، وإعادة النظر في أسعار الفائدة السائدة ، والسعي لتخفيضها تشجيعا للاستثمار وتحقيقا للتنمية.
3- التدرج في إنشاء محاكم متخصصة للضرائب و سوق المال و البورصة و الجمارك و إنشاء ما يوازيها من مكاتب خبرة تخصيصية من خبراء وزارة العدل.
4- إنشاء لجنة فنية مستقلة تتبع الهيئة العامة للاستثمار ؛ بحيث لا تصدر قوانين أو قرارات اقتصادية إلا بعد عرضها على هذه اللجنة ، والهدف من هذا العرض إلى التأكد من وجود حاجة حقيقية لإصدار القانون أو القرار لحل مشكلات قائمة ، وأن يكون متسقاً مع القوانين القائمة ، ويراعى في تشكيل اللجنة المقترحة أن تضم خبراء من رجال القانون و الاقتصاد المتفرغين.
5-إعادة النظر في حدود الإعفاء للأعباء العائلية للضريبة على دخول الأشخاص الطبيعيين , وأيضاً في أسعار وشرائح تلك الضريبة , خاصة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات ، إلى جانب ضرورة مراجعتها دورياً .
6-تطوير وتبسيط النظم الجمركية , مع مراجعة أوضاع المواني والمنافذ البحرية والجوية والبرية لتكون بوابات لعبور البضائع وليست مخازن , والتحول إلى الأسلوب الأمثل في تقدير الرسوم الجمركية على أساس سعر الشراء الحقيقي للسلع .

نحو ترشيد إدارة الدين العام المحلى فى مصر

في الوقت الذي أمكن تحديد معالم و أبعاد الدين الخارجي فإن الصورة بالنسبة للدين الداخلي غير منضبطة ، وقد زاد هذا الدين من 11مليار جنيه عام 1981 بنسبة 64% من الناتج المحلى الإجمالي إلى 217 مليار جنيه عام 1999 حتى وصل إلى حوالي 400 مليار أوائل 2004 بنسبة 85% من الناتج المحلى الإجمالي ، وهذا أمر ينذر بالخطر ؛ لذلك فإن التقييم الحقيقي للدين العام المحلى لابد أن يراعى الآتي:
أن هذا الدين و أعباء خدمته يمثل قيد اً على حرية الدولة في استخدام الموارد المتاحة لها.
أنه يمثل عبئاً على الأجيال الحالية و الأجيال القادمة على حد سواء.
أنه يمثل مزاحمة من جانب الحكومة للقطاع الخاص بالنسبة للاقتراض الداخلي ، وهذا له أثرة السلبي سواء على القروض المتاحة للقطاع الخاص أم على سعر الفائدة أم على فرص العمل و توزيع الدخل .
إن أعباء الدين المحلى تصل إلى حوالي 40% من إجمالي النفقات العامة ، وهى تساوى نفس نسبة المرتبات تقريباً في الموازنة ، و معنى ذلك إن أعباء خدمة الدين كان يمكن أن تضاعف المرتبات أو تزيد الخدمات لولا أعباء خدمة الدين .
عدم قدرة الحكومة حالياً أو في الأجل القصير على السداد النقدي ، وأصبح الدين خارج الحدود الآمنة ، وانتقل من مرحلة المشكلة إلى مرحلة الأزمة المستحكمة ، وهذا يؤدى إلى آثار سيئة على مجمل الاقتصاد القومي . و يرى مؤسسو الحزب ضرورة اتخاذ الإجراءات الآتية :
العمل على زيادة الإيرادات في الموازنة من خلال الآتي :
1- ترشيد الإعفاءات الضريبية و إعادة النظر في بعض الإعفاءات التي لم تحقق هدفها سواء في زيادة الاستثمار أو زيادة فرص العمل أو التصدير
2- العمل على تحصيل الرصيد غير المتحرك من المتأخرات الضريبية و سرعة إنجاز القضايا المعلقة أمام المحاكم وإدارات الخبراء .
3- إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية و زيادة قدرتها على تمويل استثماراتها ذاتياً ( 23 هيئة تحقق خسائر سنوية قيمتها 5 مليارات جنيه ) ووضع برنامج زمني يتم من خلاله توقف بنك الاستثمار القومي عن تمويل الهيئات الاقتصادية .
4- ترشيد الإنفاق الحكومي ، و أن يكون المسؤول هو القدوة في تحقيق ذلك ، و حظر الصرف خارج الموازنة لأي سبب كان .
5- محاربة الفساد محاربة حقيقية تؤكد المساواة أمام القانون .
6- تشجيع و دعم الوقف الخيري في مجال التنمية تحقيقياً للمشاركة الشعبية في التنمية و تخفيفاً عن كاهل الدولة .

حماية المستهلك

يوجد عديد من القوانين و القرارات المتعلقة بحماية المستهلك ، وفي مقدمتها القانون رقم 48 لسنة 1941 المتعلق بمراقبة المواد الغذائية ، و لكن أعباء التقاضي من حيث التكاليف المادية و الوقت تزيد كثيراً عن الخسائر المترتبة على خرق القوانين و القرارات التنفيذية لها . كما أن عدم معرفة المستهلكين بحقوقهم يقلل من قدرة الجهات المختصة على حماية المستهلكين ويشجع الإهمال من جانب بعض المنتجين . والقوانين القائمة حاليًا لحماية المستهلك ترجع إلى أكثر من خمسة عقود مضت ، ولذا فإن التعويض منخفض للغاية بالمقاييس الحالية ، بالإضافة إلى ذلك فإنه في ضوء تعدد القوانين والقرارات التنفيذية المتعلقة بحماية المستهلك فإن من الضروري توحيد تلك القوانين والقرارات تحت مظلة واحدة هي "قانون حماية المستهلك" المقترح هنا ؛ مما يساعد كلا من المستهلكين والمنتجين على فهم حقوقهم والتزاماتهم .
وتنصب فكره القانون المقترح على إنشاء هيئة باسم " هيئة حماية المستهلك " تختص بتلقي الشكاوي ، وبحث حالات انتهاك حقوق المستهلك ، مع ضرورة إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالأنشطة الاقتصادية ،واقتراح القوانين والقرارات المناسبة لتحقيق أهدافها .
وتتشكل الهيئة من: ـ الوزارات المعنية ـ وهيئات المجتمع المدني المهتمة بحماية المستهلك
ـ وممثلين للقضاء وخبراء في حماية المستهلك ـ وممثلين عن جمعيات القطاع الخاص .
وبديهي أنه لا يكفي لحماية المستهلك إصدار قانون ، ولكن وجود آلية للتنفيذ والمتابعة ووجود عقوبات للشركات التي تنتهك أحكام حماية المستهلك ، كلها أمور سوف تساعد ولا شك في توفير هذه الحماية.

حل مشكلة البطالة

يتوقف نجاح أي إدارة في مواجهه المشكلات الاقتصادية على القدرة على تهيئة وتنمية الموارد المادية والبشرية واستغلالها الاستغلال الأمثل في إشباع أقصى قدر من حاجات المواطنين.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد المصري يتميز بندرة نسبية في موارده المادية من ناحية , ووفرة نسبية في موارده البشرية , إلا أن حجم البطالة الذي قارب 20 % من حجم قوة العمل يثبت عجز الإدارة الحالية عن استغلال موارد المجتمع البشرية الاستغلال الأمثل , لذلك يرى مؤسسو الحزب ضرورة اتباع الآتي :
1- القضاء على ظاهرة التعدد الوظيفي التي تتناقض مع ظاهرة البطالة ، على أن يكون شاغلو الوظائف الكبرى هم القدوة في هذا الاتجاه.
2- تأكيد أهمية الدور الاقتصادي لقطاع الزراعة والمشروعات الصغيرة بحيث تكون منطلقا لا نعاش القطاعات الإنتاجية الأخرى .
3- إدخال برامج التوجيه والتدريب المهني في مراحل التعليم الأساسي بحيث يتوجه الشباب إلى أنواع التعليم المهني وبالتالي إلى المهن التي تنطبق واستعداداته الطبيعية والمكتسبة .
4- وضع فترة زمنية تلتزم الدولة خلالها بالقضاء على ظاهرة ( عمل الأطفال ) لرفع المستوى الصحي والنفسي والعلمي لهم ، بحيث يعيشون حياتهم الطبيعة التي تجعلهم يصبحون ثروة مضافة لا عبئاً زائداً على جهود التنمية.
5- فتح أسواق جديدة للعمل والخبرة المصرية في البلاد العربية والأفريقية في إطار اتفاقات للتعاون الاقتصادي .
6- تأهيل المجندين الذين لا يتقنون عملاً لأعمال وحرف نافعة أثناء مدة تجنيدهم.
7- إعادة تخطيط خريطة التعليم في الدولة ؛ بحيث توازن بين التعليم النظري والعملي والجامعي والمعاهد الفنية والعالي والمتوسط في ضوء دراسة احتياجات السوق المحلية والخارجية .
8- تهيئة مناخ الاستثمار لزيادة الاستثمارات ومنح حوافز للصناعات كثيفة العمل .
9- تخصيص جانب من حصيلة الزكاة والصدقات لإنشاء مشروعات منتجة صغيرة .

تنمية المشروعات الصغيرة و المتوسطة

تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة عماد الجهاز الإنتاجي المصري ، وتصل نسبة إسهام هذه المشروعات في إجمالي الناتج المحلى حوالي 25-40 % تقريباً . و يعمل بهذه المشروعات حوالي 65 % من إجمالي القوى العاملة في مصر ، و تمثل هذه المشروعات وسيلة ناجحة لتعبئة المدخرات الصغيرة وإعادة استثمارها ، كما أنها توفر سلعاً و خدمات بأسعار مخفضة ، وتضيف فرص عمل جيدة للشباب.
إن هذه المعطيات تدفعنا إلى التعرف على أهم معوقات انطلاق هذه المشروعات بهدف تحقيق انطلاقة حقيقية للاقتصاد المصري و أهم هذه المعوقات هي :
1- نقص التمويل و صعوبة الحصول عليه .
2- صعوبة تسويق المنتجات و الخدمات .
3- نظام التأمينات الاجتماعية و الضرائب غير محفز على الإنتاج .
4- نقص الدعم الفني و الإداري .
5- تعقد الإجراءات الحكومية و الإدارية و تعدد الجهات التي يتعامل معها المستثمر الصغير .
6- تعدد جهات الإشراف على المشروعات الصغيرة ( وزارة الشئون الاجتماعية – وزارة التنمية المحلية – الصندوق الاجتماعي للتنمية – وزارة التجارة الخارجية – وزارة المالية – وزارة الصناعة ) ؛ بما يحول دون وضع استراتيجية واضحة المعالم لتنمية و تطوير المشروعات الصغيرة .
و يرى المؤسسون أن السبيل لدعم المشروعات الصغيرة و المتوسطة يتمثل في الآتي:
1- استمرار الدعم للمشروعات الصغيرة الهادفة إلى امتصاص البطالة و مكافحة الفقر ؛ لأن هذا يسهم في دعم الاستقرار الأمني والسلم الاجتماعي.
2- وضع خطة لتطوير ودعم المشروعات الصغيرة الهادفة لتوفير بديل للسلع المستوردة ، وكذلك دعم المشروعات التي تهدف للتصدير بما تمثله من أهمية في استمرارية التنمية ورفع مستوى المعيشة .
3- إنشاء منظمات غير حكومية للمشروعات الصغيرة على سبيل المثال " اتحاد للأعمال الصغيرة " ، " معهد للمشروعات الصغيرة "، " منظمة لترويج الأعمال الصغيرة " ، " جمعية لمراقبة الجودة في المشروعات الإنتاجية " . ومن شأن هذه المنظمات أن تساهم بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية في الارتقاء بالمشروعات الصغيرة ، كما أنها ستقوم بدور مهم في بناء قاعدة معلومات عن الصناعات الصغيرة و نشرها ، و إجراء البحوث و الدراسات اللازمة لتطوير هذه الصناعات الصغيرة ، وربطها بالصناعات الكبيرة.
4- زيادة علاقات التشابك بين المشروعات الصغيرة و المشروعات الكبيرة و الأجنبية التي تسهم في تلبية الحاجات المحلية .
5- تأسيس صندوق للمشروعات الصغيرة لتفادى حالات التعثر.
6- تعميم تجربة " الشباك الواحد " لإنهاء الإجراءات بسرعة و في خطوة واحدة .
7- تشجيع و دعم الصناعات الابتكارية و تقديم التيسيرات و الحوافز لها .

(ج) التعاون الاقتصادي العربي

تحديات الشراكة العربية

شهدت الدول العربية في الآونة الأخيرة سلسلة من الاتفاقيات لإقامة مناطق للتجارة الحرة ، سواء فيما بينها بصورة جماعية ( قرار جامعة الدول العربية بإقامة منطقة للتجارة الحرة ابتداءً من عام 1998، ويتم تخفيضها إلى ثماني سنوات ) أو بصورة ثنائية بين دول عربية ودول أخرى ، بجانب اتفاقيات مع دول غير عربية في أفريقيا ( الكوميسا ) والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي ، فضلا ً عن الاتفاقيات الدولية ( منظمة التجارة العالمية). وبذلك أصبحت الدول العربية تواجه ما يسمى بظاهرة " تضارب الاتفاقيات " نظراً لتداخل الأحكام والالتزامات بل وتناقضها في بعض الأحيان .
وبالرغم من كثرة هذه الاتفاقيات وتعددها إلا أنها لم تحقق الطموحات العربية المأمولة . وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال السنوات الماضية ؛ حيث تبين أنها تسير بخطى متأخرة عن ركب الاقتصاد العالمي ، ويتضح هذا التأخر في انخفاض معدلات النمو ، وظهور معدلات نمو سلبية في اقتصاديات معظم هذه الدول ، مع تراجع في مستوى الدخل وارتفاع البطالة وزيادة حدة الفقر في غالبية الدول العربية.
وترجع المعضلات الاقتصادية في الدول العربية إلى عده عوامل تتمثل في الآتي:
أ ـ محدودبة التعاون والتنسيق بين الأقطار العربية بسبب اعتمادها على الخارج .
ب ـ عدم توفير الرقابة الحقيقة المبنية على قواعد الشفافية .
ج ـ غياب التنوع في البنية الاقتصادية وتزايد حدة الاختلالات بين القطاعات الأساسية .
د ـ حرمان الدول العربية الفقيرة من فوائض أموال الدول الغنية الناتجة عن عوائد النفط .
هـ ـ القصور في الإنفاق على البحوث والتطوير ونقل التكنولوجيا وتنمية الموارد البشرية.
و ـ غياب الإرادة السياسية القادرة على تكوين تكتل اقتصادي إقليمي منافس و فعال .
لذلك يرى مؤسسو الحزب ضرورة تنفيذ الإجراءات الآتية:
1- إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأطراف المشاركة ، وذلك خلال فترة انتقالية مدتها سنة ابتداء من تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ ؛ بحيث تستكمل خلال عشر سنوات من توقيع الاتفاقية .
2- أن تتضمن اتفاقية التجارة الحرة الإزالة التدريجية للرسوم الجمركية و الرسوم الداخلية ذات الأثر المماثل ، وكذلك القيود الإدارية و الكمية و النقدية على التجارة بين الأطراف ، وذلك حسب جدول زمني معين متفق عليه .
3- إنشاء هيئة عليا للتنسيق و المتابعة هدفها إزالة الحواجز التي تعتري طريق الاستثمارات و اقتراح آليات لزيادة التعاون بين الدول العربية.
4- تفعيل مؤسسات و صناديق التمويل العربية لتمويل المشروعات العملاقة المشتركة بين الدول العربية لتعزيز التعاون و توفير فرص عمل لأبنائها .
5- إنشاء برامج تمويلية لدعم الصناعات أ و الدول التي تتضرر من التعاون المبنى على الاتفاقية نتيجة انخفاض الإيرادات الجمركية و غيرها .
6- تقرير أولوية للعمالة العربية في العمل داخل الدول العربية وتطبيقها بدقة .
7- تشجيع التعاون السياحي بين الدول العربية لزيادة القدرة التنافسية مع العالم الخارجي
8- إنشاء بورصة عربيه موحدة .

ثالثاً ـ المحور الاجتماعي

(1) إصلاح التعليم وبناء مجتمع المعرفة:
يرى المؤسسون أن إصلاح التعليم وبناء مجتمع المعرفة من الأمور ذات الأولوية في إحداث التنمية والتطوير والإصلاح على جميع المستويات في المجتمع المصري . وعلى هذا يولون أهمية كبيرة لهذا الموضوع . وبالرغم من الجهود المبذولة في هذا القطاع ؛ أي قطاع التعليم ، إلا أن النتائج السلبية للعملية التعليمية تستدعي إعادة النظر في مجمل المنظومة التعليمية ؛ فالتعليم العام في مصر أصبح على ثلاثة أنواع على الأقل هي :
أ ـ التعليم الحكومي: وهو الأكثر انتشاراً ، وهو أيضاً الأكثر حاجة للإصلاح في كل النواحي سواء على المستوى الأبنية والتجهيزات ، أو على مستوى إعداد المعلم وخفض عدد الطلاب في الفصل الواحد ....... إلخ .
ب ـ التعليم الأجنبي : وهو عالي التكلفة ، وغالباً ما يكون مرتفع المستوى في التعليم ، ولكن لا يقدر على تحمل تكلفته إلا قلة القلة من المواطنين .
ج ـ التعليم الخاص : وهو نفسه ينقسم إلى مستويات مختلفة ، منها ما هو منخفض وما هو متوسط ، وما هو مرتفع ؛ وذلك طبقا لتكلفة كل مستوى ، والجهة المشرفة عليه ؛ سواء كانت شركة خاصة أم جمعية أهلية ...الخ .
هذا على مستوى التعليم في المدارس دون الجامعة ، أما على مستوى الجامعة فقد أصبح في مصر أيضاً ثلاثة أنواع من التعليم الجامعي : الجامعات الحكومية ، التي تقوم بالدور الأساسي في هذا المستوى ، والجامعات الخاصة التي اهتمت كثيراً بالربح دون الاهتمام بالمستوى التعليمي و استكماله ، وكذلك الجامعات الأجنبية ، وهي أيضاً مرتفعة التكلفة ولا يستطيع تحمل تكلفتها إلا قلة قليلة من القادرين مادياً . وهذا كله يستدعي من وجهة نظر المؤسسين مراجعة شاملة للتعليم بمستوييه قبل الجامعي والجامعي وفق المحددات الآتية :
1- مراجعة ميزانية التعليم في الموازنة العامة ، والعمل على زيادتها باستمرار بما يكفي لتغطية مشروع شامل لتطوير التعليم في مدة زمنية محددة ولتكن عشر سنوات .
2- يجب البدء في مراحل التطوير بحيث تشمل المباني وتجهيزاتها ، وسعة الفصول ، وبناء الملاعب والمعامل ، وإعداد المدرس ورفع مستواه المهني ، وتحسين دخله حتى لا يضطر إلى اللجوء إلى إعطاء الدروس الخصوصية .
3- وضع معايير موضوعية للعملية التعليمية ولمخرجاتها في مختلف المراحل ، وذلك وفق المعايير الدولية ، وخاصة المعايير المتبعة في الدول المتطورة . على أن يجري القياس والتقويم في كل أنواع التعليم المشار إليها على أساس تلك المعايير.
4- التأكيد على واجب الدولة في تغطية الجزء الأساسي في العملية التعليمية ، مع ضمان الاستقلال الأكاديمي والإداري لمؤسسات التعليم ، وتشجيع مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني على تحمل مسؤولياتها في العملية التعليمية ؛ تمويلاً وبناءً و إدارة ، في إطار رؤية واعية بأهمية العائد الاجتماعي لمثل هذه المشروعات التعليمية .
5- تشجيع الطلاب على المعرفة والابتكار والمبادرة ، وتوفير المناخ اللازم لذلك ، وذلك بوسائل مناسبة للتحفيز ، مثل المسابقات ، ومكافآت التفوق ، وتكريم المبتكرين وربطهم بالمؤسسات الإنتاجية للاستفادة بأفكارهم ...إلخ.
6- تطوير الاهتمام بالحاسوب ( الكمبيوتر ) كأداة فعالة في تحصيل العلم والمعرفة ، والعمل من توفيرها لكل مستويات ومراحل العملية التعليمية .
7- دعم جهود تطوير البحث العلمي ، وتوفير الموارد المالية اللازمة له وربطه بالواقع المصري ، وربط الجامعات والمعاهد والأكاديميات العلمية بمراكز الصناعة والزراعة والتجارة لتطويرها بشكل علمي ومنهجي ، ودعم التعاون مع الجهات العلمية والهيئات الدولية والاستفادة من خبراتهم المختلفة في هذا المجال .
8- الاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها ، وتشجيع تعريب العلوم الحديثة والثقافة العالمية النافعة ، وتشجيع الترجمة لكل أنواع المعرفة المفيدة للأمة .
9- تطوير ونشر المكتبات المجهزة بأحدث وسائط نقل المعلومات وحفظها واسترجاعها ، وذلك في كل مراحل العملية التعليمية سواء التعليم قبل الجامعي أو التعليم الجامعي ، وكذلك الأحياء والقرى ، وتشجيع الإطلاع والمعرفة والاستعارة وتوصيلها بشبكة المعلومات الدولية [internet] ، وتوفير أماكن التواصل معها بشكل ميسر وغير مكلف ، وخاصة في النواحي التعليمية والمعرفية والتدريبية.
10- تشجيع التكوين المستقل للطلاب في كل مراحل التعليم ، ونشر ثقافة الديمقراطية والتسامح والحوار و الحريات العامة ، وقيم المواطنة ، وإدخال التربية المدنية والمهارات الحياتية بالشكل المناسب في المقررات الدراسية. و إعطاء الفرصة للطلاب من أجل المشاركة في العمل العام وفق لوائح ديمقراطية ، ورفع جميع القيود عن الحركة الطلابية سواء في الانتخابات أم في حق التظاهر السلمي أم في الحق في عقد الاجتماعات ....الخ .
11- ضرورة توفير حد أدنى من القاسم المشترك بين مختلف أنظمة التعليم التي يشهدها الواقع المصري بما يحقق التوافق والانسجام في بناء الهوية الوطنية للأجيال الجديدة .

(2) حل مشكلة الأمية:
في ظل التطور الهائل الذي تعيشه البشرية اليوم في مجال العلم والمعرفة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا ، أصبح من العار أن تكون هناك أمم وشعوب تعاني من الأمية التقليدية ( أي أمية القراءة والكتابة ) ؛ فقد أصبحت الأمية الآن هي أمية معرفة التعامل مع الحاسوب ( الكمبيوتر ) والدخول إلى شبكة المعلومات الدولية (internet) . ومما يؤسف له أن العالم العربي حسب تقارير التنمية البشرية الأخيرة يعاني من الأمية التقليدية بنسبة تصل إلى 40% من عدد سكانه ؛ أي حوالي 65 مليون شخص ، وثلثا هذا العدد من النساء ، وتتجسد هذه المشكلة بشكل صارخ في مصر ؛ بلد الحضارة القديمة الممتدة في التاريخ والموصولة بالحاضر ، حيث تقترب هذه النسبة الآن من حوالي 50% من عدد السكان . ولهذا يرى مؤسسو الحزب ضرورة وضع هذه القضية في مرتبة متقدمة من سلم الأولويات في المرحلة القادمة ، وعليه سيعمل المؤسسون ما وسعهم السعي للقضاء على هذه الظاهرة المخجلة على النحو الآتي :
أ ـ وضع خطة شاملة مدة إنجازها عشر سنوات على الأكثر للقضاء نهائياً على مشكلة الأمية التقليدية بكل أشكالها ، والاحتفاء في نهايتها بعدم وجود شخص أمي واحد في مصر ، وذلك من خلال حزمة من الإجراءات ، على النحو المبين في البنود التالية:
ب ـ غلق كل المنافذ التي تغذي استمرار ظاهرة الأمية ، واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لمنع تسرب أي تلميذ أو تلميذة من العملية التعليمية وخاصة من مراحل التعليم الأساسي .
ج ـ اتخاذ جميع الإجراءات والعوامل المشجعة على تنفيذ إلزامية التعليم في كل مكان وخاصة الأماكن العشوائية والريف والأماكن النائية .
د ـ إلزام كل خريج بمحو أمية عدد مناسب ممن أصبح في سن أكبر من مراحل التعليم الإلزامي ولم تمح أميته ، وذلك وفق جداول يقيد فيها هؤلاء الأميون .
هـ ـ عمل أنشطة مكثفة و مخيمات و لقاءات في كل أنحاء مصر لتنفيذ برامج مركزة لمحو أمية الكبار تصرف فيها مكافآت للمعلمين وكذلك للمتعلمين إضافة على منحهم شهادات محو الأمية.
و ـ تشجيع المتعلمين في كل المجالات والأعمار على المساهمة في هذا المشروع الوطني وتقرير ميزات مختلفة لهذه المشاركة كحوافز لتفعيل مشاركاتهم .
ز ـ إشراك كل وسائل المعلومات والإعلام والدعاية والثقافة إلى جانب المساجد والكنائس ، والجمعيات الأهلية ، في دعم هذا المشروع طوال مدة تنفيذه .

(3) مواجهة مشكلة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية :
يعاني قطاع كبير من المواطنين المصريين الفقراء ومحدودي الدخل ، معاناة شديدة في سبيل سد الاحتياجات الأساسية لهم ولأسرهم ، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم ، وزيادة الضرائب غير المباشرة ، وترك العدالة الاجتماعية للضمان الاجتماعي مع ضآلة الاعتمادات المخصصة لهذا الضمان ، إضافة إلى قصور النظام الحالي للضمان في مراعاة الحاجات والمحتاجين ، وهو أمر غير مقبول ؛ لأنه يهدد الأمن والسلام في المجتمع ، ويعرقل الجهود المبذولة من أجل التنمية وتحسين نوعية الحياة في المجتمع بشكل عام.
أما عن التأمينات الاجتماعية فهي نظام مبني على المساهمة من ذوي الدخل الثابت ، والمعاوضة بالمكافأة أو المعاش من قبل الدولة ؛ بمعنى أنه لا يُعوض إلا القادر على دفع الأقساط ، وربما كان يملك الكثير، ولا يعطي المحتاج إلا بقدر ما دفع ، لا بقدر ما يحتاج ذلك الأخير ، بل إن التضخم يأكل معاش المحتاجين دون رعاية . لذلك يرى المؤسسون أن رعاية محدودي الدخل تستوجب عمل الآتي :
1- اعتبار العدالة الاجتماعية مطلباً أساسياً لا يمكن قبول عذر في تجاهله ، والسعي بشتى الوسائل لتحقيقها على أساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص .
2- زيادة حد الإعفاء الضريبي سنوياً بنفس نسبة الزيادة في معدل التضخم .
3- مراعاة أن تكون السياسة الضريبية مبنية على أساس نسبة من عوائد العملية الإنتاجية دون غيرها من الأوعية الضريبية كما هو الحال الآن ، وبذلك نضمن عدالة هذا النظام وحسن سيره ، باعتباره مأخوذاً ممن يدفع الزكاة ، مع عدم جواز إثقالهم بأعباء غير مشروعة ، وهذا أفضل من أخذ الضرائب من أموال اليتامى والقصر .
4- تشجيع الجهود الأهلية التي تبذل بصدد الرعاية الاجتماعية ، مع مراعاة التخفيف من الأعباء الروتينية المفروضة على الجمعيات العاملة في هذا المجال ، ومنحها تخفيضاً فيما يتعلق بالإعلان في وسائل الاتصال الجماهيري ، وإمدادها بالمعلومات اللازمة لأداء دورها .
5- أن تقوم مؤسسة أهلية بتحصيل الزكاة والصدقات من المسلمين ، وتحصل الصدقات الطوعية من المسيحيين ، على أن تتولى إنفاقها في مصارفها المختلفة ، وأول مصارفها هو تحويل العاطلين إلى منتجين ، والمحتاجين إلى مكتفين ؛ أي المساهمة في العملية التنموية بشكل مباشر ، هذا إلى جانب ما يقوم به النظام الضريبي بتغطية النفقات العامة للدولة بمراعاة المقدرة المالية للمكلفين .
6- فصل موازنة الرعاية الاجتماعية ( إيراداً وإنفاقًا ) عن الموازنة العامة للدولة ؛ حفاظًا على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل .

(4) الـرعـايــة الصحيــة:
بالرغم من التاريخ الطويل لمصر في مكافحة الأمراض وتوفير الرعاية الصحية ، إلا أنها لا تزال تأتي في المراتب المتأخرة على قائمة الدول في هذا المجال. وتعاني مصر بوجه عام سواء في المدن الكبرى أم الريف ، من تدهور الرعاية الصحية وارتفاع مستوى التلوث البيئي في الهواء والماء والشوارع والأحياء السكنية والصناعية. ولذلك يرى المؤسسون معالجة هذا الموضوع في ضوء سياسات واضحة ، وباتخاذ مجموعة من الإجراءات التنفيذية ، ومن أهمها الآتي:
1- التوسع في إنشاء وحدات صحية صغيرة متطورة في جميع الأحياء السكنية في المدن وفي جميع القرى والتجمعات الريفية ( العِزب والكفور والنجوع ).
2- بذل مزيد من العناية بالتأهيل العلمي للطبيب إعداداً وتدريباً ، والاهتمام بتحسين أوضاع الأطباء بمختلف فائتهم مالياً ووظيفياً ومهنياً .
3- بذل مزيد من العناية بمهنة التمريض إعداداً وتدريباً ، والاهتمام بتحسين أوضاع الممرضات والممرضين بمختلف فئاتهم مالياً ووظيفياً ومهنياً.
4- تشجيع إقامة صناعات طبية متكاملة لتصنيع الأجهزة الطبية بأنواعها كافة ، ودعم مشروعات تطوير الصناعات القائمة عليها حالياً وكذلك صناعة الدواء ، والعمل على تحقيق الاكتفاء المحلي في هذا المجال الحيوي .
5- تطوير النظام الصحي والكشف الدوري على الطلاب بالمدارس والجامعات ، وعلى الموظفين والعمال في القطاعات الحكومية والخاصة .
ويرى المؤسسون أن هذه المحددات والإجراءات هي خطوات نحو نظام صحي تأميني حقيقي يغطي جميع فئات المواطنين بتكلفة معقولة للمواطن حسب دخله ، وذلك أسوة بالنظم الصحية المتطورة في العالم .

رابعاً : في الثقافة والفنون

الثقافة والهوية
يرى المؤسسون أن غياب" مفهوم الهوية الثقافية المصرية " عن معظم المشروعات الإصلاحية والتنموية كان عاملاً رئيسياً من عوامل إخفاق هذه المشروعات . وإذا كان البعض يفترض أن الهوية دائرة واحدة مغلقة ، فهذا يعد من قبيل الفهم المجتزئ والمنقوص ؛ ولهذا فإن المؤسسين يرون أن الانتماء للدائرة الحضارية العربية / الإسلامية لا يعني استبعاد المكون القبطي من الثقافة المصرية ، ويؤكدون على أن الوعاء الثقافي المصري نجح في صهر المكونات الثقافية المتعددة وصنع منها مزيجاً متماسكاً ، وهذا ما منح الثقافة المصرية خصوصيتها وفرادتها بين ثقافات العالم. وينطلق المؤسسون من هذا المفهوم المنفتح المركب للهوية الذي يركز على أن تنمية الهوية المصرية لا يتأتى إلا بتنمية كل أبعادها وجوانبها ومكوناتها ( فرعونية , وقبطية , ونوبية , وبدوية ، وجميعها داخل المكون العربي / الإسلامي) .
ويرتبط بقضية الهوية عنصران أساسيان هما:
1ـ اللغة العربية :
يعرب المؤسسون عن قلقهم من تراجع اللغة العربية ، وهى الوعاء الذي تصب فيه مكونات الهوية المصرية ، والتي بدونها ينفرط عقدها ، وهو ما يشكل خطراً يتمثل في أن إهمال اللغة العربية أو تهميشها يعني تهميش التراث المكتوب ، ومن ثم فقدان الذاكرة التاريخية ، وتحول الإنسان المصري إلى وحدة اقتصادية جسمانية استهلاكية .
وقد انعكس عدم الاهتمام باللغة في طرق التدريس والكتب المدرسية والمنشورات الحكومية ووسائل الإعلام ؛ وهو الأمر الذي يدفع المؤسسين للأخذ على عاتقهم إعادة الاحترام للغة العربية وتفعيلها كأداة للتواصل بين المواطنين كافة ، والتواصل مع تراثنا وهويتنا التاريخية .
2 ـ الخصوصية التاريخية والمشترك الإنساني :
يدرك المؤسسون أن قضية استيراد نظم الغرب الحضارية المعرفية وتعميمها على العالم تحت ستار العولمة والانفتاح على الآخر أصبحت مسار اهتمام كبير في الآونة الأخيرة. وأنه بفعل الإخفاقات السياسية والتراجعات الحضارية المتوالية صارت الثقافة العربية محل تساؤل عما إذا كانت تصلح لأن تكون ركيزة للنهضة أم لا ؟ بل وجرى التشكيك في صلاحيتها وفي قدرتها على استيفاء شروط النهضة ، ونعتت بالتقليدية والركود ، وبأنها إحدى مورثات عصور الانحطاط والتخلف . ومن هنا كانت الدعوة إلى تهميشها وتحويلها إلى مجرد تراث أو فلكلور . وكلها دعوات وأفكار لا تتفق مع الرؤية التي يتبناها المؤسسون ويسعون لترجمتها على أرض الواقع من خلال منظومة متكاملة من السياسات والمشرعات الثقافية.
وإذا كنا نؤيد الانفتاح على الثقافات الأخرى فهذا يعني ألا نقصر اهتمامنا على الثقافة الغربية وحدها بزعم أنها الثقافة العالمية الوحيدة ، بل علينا أن نتجه شطر الحضارات الشرقية المجاورة لنا ونوليها اهتماماً أكبر، وخاصة أنها ثقافات عريقة وثرية ، وتحوي رؤية للطبيعة وللإنسان تتفق مع كثير من عناصر رؤيتنا العربية / الإسلامية .

الفن والقيمة
يؤكد المؤسسون على أن قضايا الفن ليست منعزلة عن قضايا الثقافة الأخرى ؛ فالفن لغة الروح ودعوة للتسامي بالإنسان وتعميق فهمه لنفسه وللكون بأسره . ويدعون إلى ضرورة أن يكون الفن متحرراً ومنفتحاً ، ولكن هذا لا يعني أن الفن متجرداً من القيمة تحت شعار " الفن من أجل الفن " ، ولا يعني أن الإبداع الفني أمر مطلق لا علاقة له بالمجتمع أو بالقيم الإنسانية أو الأخلاقية ، لكن لابد من التوازن بين تشجيع الآداب والفنون والإبداع من ناحية ، والالتزام بقيم المجتمع وثوابته من ناحية أخرى.
ويرى المؤسسون ضرورة تشجيع الجمعيات الأدبية والثقافية التي هي بمثابة المحضن الذي يفرخ جماعات من الباحثين والمبدعين الشبان ، ويسمح لهم بالاحتكاك مع أجيال الرواد . كما يرون أن المركزية الثقافية التي ركزت كل المؤسسات الثقافية في القاهرة هو أحد العلل الأساسية لتراجع الثقافة التي تعبر عن هوية الإنسان المصري ، وأنه يجب تنشيط المراكز الثقافية والفنية في مدن الأقاليم ومراكزها وقراها وتشجيع المؤلفين والفنانين المحليين على الإبداع ، وتوظيف إبداعاتهم في خدمة جهود التنمية الشاملة لمختلف مجالات الحياة في المجتمع.

خامساً : إدماج الأخلاق في سياسات الإصلاح

إن الإصلاح الأخلاقي في نظر المؤسسين يجب أن يتأسس على المبادئ والقيم الإسلامية التي تحض على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، وهو بهذا المعنى يمتد إلى البحث في كيفية إعادة التوازن والفاعلية إلى منظومات القيم والمعايير الفردية والجماعية السائدة في مجتمعنا المصري .
الإصلاح الأخلاقي بهذا المعنى الواسع يُعنى بتقييم وتقويم السلوك الإنساني من منظور صواب الأفعال أو خطئها ، جوازها أو عدم جوازها ، ويعتمد أول ما يعتمد على قوة الوازع الداخلي إلى جانب المناخ الملائم والقانون العادل والمؤسسات الفاعلة. ويدعونا الإصلاح الأخلاقي للاهتمام بكيفية معالجة أسباب ومظاهر الخلل القيمي والمعياري على مستوى السلوكيات والآداب المدنية ، والأخلاقيات العملية والمهنية ، والطبائع الإنسانية ، وهو ما يبدو فيما يمكن تسميته "التحلل الاجتماعي" على تلك المستويات كلها.
"الإصلاح الأخلاقي" إذن هو المقابل المنطقي " للتحلل الاجتماعي" الذي تتجلى مظاهره في الجوانب السياسة والاقتصادية والقانونية والتربوية والثقافية. وفي ظل " التحلل الاجتماعي" تكون تصرفات وسلوكيات ، وحتى تطلعات ، مجموعات كبيرة من الأفراد والجماعات والتكوينات المهنية محكومة بمنظومات من القيم والمعايير السلبية ـ المعلنة وغير المعلنة ـ مثل:
ـ النفاق والكذب وإخلاف الوعد .
ـ الرشوة والمحسوبية والاختلاس والنصب .
ـ التسيب والإهمال واللامبالاة .
ـ ضعف الميول نحو المشاركة والمبادرة والاهتمام بالشأن العام .
ـ غلبة النزعة المادية والاستهلاك الترفي .
ـ زيادة معدلات الجريمة والعنف .
ـ ضمور معنى المصلحة العامة لدى قطاعات واسعة من المواطنين.
ـ انخفاض قدرات المواطنين ـ وأحيانًا رغباتهم ـ على العمل المنتج النافع .
ـ اختلال ميزان العدالة ( في توزيع الدخل , وفي تطبيق القانون ،وفي توفير فرص العمل..)
ـ انحراف الفنون والآداب عن مقاصدها النبيلة ، وتركيز أغلبية منتجيها على غرائز الجنس واللذة والتفكير الخرافي... الخ.
إن قائمة مؤشرات التحلل الاجتماعي طويلة ومعروفة في أغلبها ، ويمكن التعبير عنها بكلمة واحدة مثقلة بالمعاني السلبية وهي "الفساد" أو "الإفساد" ـ الذي هو عكس" الصلاح"أو "الإصلاح" ـ ويؤكد المؤسسون على أن هذه المؤشرات تمثل قاسماً مشتركاً أعظم بين مختلف الجوانب التي يجب أن تتجه إليها جهود الإصلاح ، ولا تكاد تغيب عن جانب واحد منها ، الأمر الذي يعني أنها واقعة أيضاً في صميم أي عملية إصلاحية مبتغاة ، وأن الإصلاح الأخلاقي يجب أن ينظر إليه لا باعتباره " دعوة إلى مكارم الأخلاق " فحسب ـ وهذا بحد ذاته ليس بالقليل ـ وإنما باعتباره قاسماً مشتركاً أعظم بين مختلف مداخل العملية الإصلاحية ، وشرطاً ضرورياً ولازماً لنجاحها في الواقع. ولو افترضنا جدلاً أننا أفلحنا في إنجاز الإصلاح السياسي والاقتصادي والتشريعي على النحو الذي ترجوه القوى والتيارات الوطنية والإسلامية المطالبة بالإصلاح في مصرنا الحبيبة ، مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه في الجوانب الأخلاقية السائدة ، فإن إمكانية تفعيل برامج الإصلاح في تلك الجوانب ونجاحها في الواقع قليلة ، وستكون فرصتها في تحقيق مقاصدها محدودة للغاية.
إن إدماج الإصلاح الأخلاقي في مختلف المداخل الإصلاحية السياسية والاقتصادية والتشريعية والثقافية والاجتماعية ، أمر ضروري ولازم ، و بغيره ستظل جميع التصورات والأفكار الإصلاحية لتلك المداخل مفتقرة لواحدة من أهم ضمانات النجاح والفاعلية التطبيقية وهي ضمانة الوازع الذاتي واحترام التوجهات المعيارية والأخلاقية الكبرى التي تحفظ تماسك المجتمع وتشكل المناخ الملائم لتقدمه.
ومهما كانت صعوبة عملية إدماج الأخلاق في مداخل الإصلاح المختلفة عامة ، وفي الإصلاح السياسي خاصة ؛ لكون السياسة في تعريفها الوضعي وممارساتها العملية لا تعرف الأخلاق إلا قليلاً ؛ رغم ذلك فإن عملية الإدماج هذه تستحق ما سيبذل فيها من الجهد والوقت طالما أنها ـ كما قلنا ـ شرط ضروري ولازم لنجاح الإصلاح وإدراك مقاصده.

آليات الإصلاح الأخلاقي
ما الذي يمكن عمله حتى نعزز عملية الإصلاح الشامل في بلادنا؟ يرى المؤسسون أن هذا هو السؤال الأكثر أهمية من بين الأسئلة التي تثار عادة في أي حديث عن الإصلاح. وفيما يتعلق بالإصلاح الأخلاقي ثمة الكثير الذي يمكن عمله وهو في متناول كثير من الأفراد ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات والهيئات الحكومية. بل يمكن أن نبادر ونبشر بالقول أن العمل في الإصلاح الأخلاقي أيسر من الحديث النظري عنه ، بخلاف الحال مع أغلبية المداخل الإصلاحية ؛ وقد يرجع ذلك إلى أن مبحث "الأخلاق" محل إجماع أو توافق فكري كبير بين مختلف التوجهات الفكرية، وهو مطلب الجميع ـ أو هكذا يفترض ـ سواء كانوا من السلطة أو من المعارضة. كما أن مسؤولية القيام به تقع على عاتق الجميع من الأفراد والمؤسسات الأهلية والمدنية والحكومية وتشمل مختلف المستويات من قمة المجتمع وأعلى هرم السلطة والمسؤولية إلى القاعدة العريضة من جمهور المواطنين.
ومن المداخل المقترحة لتفعيل الإصلاح الأخلاقي , وربطه في الوقت نفسه بمداخل الإصلاح الأخرى الآتي :
1ـ المدخل التربوي التعليمي :
يرتكز هذا المدخل على الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات التربية والتعليم في بناء العقليات وتوجيه السلوك الفردي والجماعي . ومن خلال هذه المؤسسات يدعو المؤسسون إلى غرس منظومة القيم والمبادئ والمعايير التي تحقق الإصلاح الأخلاقي المرغوب في عقول الناشئة والأجيال الجديدة.
وإذا كانت البرامج التربوية ـ في وضعها الحالي ـ تفتقر إلى المضمون الأخلاقي المطلوب ؛ فمن الضروري تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية والتربوية الصفية واللاصفية في هذا الاتجاه الذي يؤكد على القيم والمعايير الإيجابية ، ويرفع من شأنها فردياً ومؤسسياً . وهذه المعاني يجب أن تتضمنها المقررات الدراسية والأنشطة الترفيهية وبرامج خدمة المجتمع وحصص الأشغال والتدريبات العملية ؛ ابتداءً من المراحل الابتدائية من السلم التعليمي ، وصولاً إلى أعلى درجات هذا السلم . وتقع مسؤوليات إنجاز هذه المهمة التطويرية في مناهج التربية والتعليم على الهيئات والمراكز التربوية والتعليمية الحكومية ، كما تقع أيضاً على المفكرين ودعاة الإصلاح وصانعي الرأي وقادة المجتمع المدني ومنظماته وهيئاته .
2ـ المدخل الثقافي الإعلامي :
نظراً لضعف الخطاب الثقافي الذي تبثه وسائل الإعلام المصرية عامة ، والأجنبية ـ على وجه الخصوص ـ فيما يتعلق بالمضامين الأخلاقية الإصلاحية بالمعنى السابق شرحه ؛ فإن المطلوب وفقاً لرؤية المؤسسين هو صياغة ونشر خطاب ثقافي إعلامي يركز على تلك المعاني الغائبة ، ويهدف إلى بناء صورة ذهنية صحيحة وواقعية عن القيم والمعايير الأخلاقية الواجب احترامها والالتزام بها. ولتيسير مهمة وسائل الإعلام في أداء وواجبها في هذا المجال يجب أن تخصص مساحات أكبر مما هي عليه الآن للبرامج التثقيفية المدروسة والتي تدور حول تهدف لغرس تلك القيم ومنظوماتها المعيارية ، وتنشر الوعي بما تقوم به من أدوار في خدمة مختلف الجوانب الإصلاحية الأخرى: السياسية والاقتصادية والقانونية ، مع التركيز على إدانة حالات الانحراف عن الأصول والثوابت المجتمعية والدينية .
3- مدخل تجديد الخطاب الديني :
يرى المؤسسون أن الخطاب الديني السائد في مصر منذ فترة طويلة يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح أساليبه ، وتجديد مضامينه وتنحية المفاهيم السليبة واللغة الاعتذارية والمعاني الانعزالية التي يحتويها ؛ وذلك بهدف استيعاب متغيرات الواقع ، وتفعيل دور الخطاب الديني في مواجهة المشكلات التي يعاني منها المجتمع ، وبخاصة فئة الشباب ، كما أن هذا التجديد يجب أن ينعكس بشكل إيجابي على مكانة المؤسسة الدينية ( الأزهر – الكنيسة ) ودورها في جهود التنمية والإصلاح الاجتماعي العام . وهذا التبني من قبل المؤسسين ليس جديداً ولا مرتبطاً بدعوات حديثة قادمة من الخارج ، ولكنها دعوة قديمة ومتأصلة تبناها المصلحون والمفكرون قديما وحديثاً ؛ لأنه واجب ديني ووطني لإدراك الواقع والتفاعل معه وتطويره بما يخدم مصالح الأمة ولا يصطدم بغير مبرر مع العالم .
4- القدوة والشفافية :
يرى المؤسسون أن المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية مهما كان نبلها وسموها تظل قليلة التأثير في الواقع ما لم تتجسد قدوات حسنة يقتدي بها جموع المواطنين على كل مستوى من المستويات ، على أن يجري دعم هذا التوجيه بمجموعة من إجراءات الشفافية ( مثل إعلان الذمة المالية ، ومصادر الدخل قبل تولي الوظائف العامة أو الولايات النيابية وبعدها،....) وغيرها من الإجراءات التي تبرهن على صدقية هذه القدوات الحسنة ومن يليها من المقتدين بها في مختلف مواقع المسؤولية .

سادساً : السياسة الخارجية والعلاقات الدولية


تنبع رؤية مؤسسي الحزب في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية من أصل إيماني من جهة ، ومن إدراك واع بحقائق الواقع المعاصر للنظام الدولي وخصائصه الآخذة في التشكل في ظل العولمة من جهة أخرى . وهذا الأصل بشقيه هو الذي يعطي رؤيتنا خاصية التميز ، ويكسبها في الوقت نفسه قوة معنوية كبيرة تضمن لها الفاعلية في التطبيق .
ويتجلى تأثير هذه الرؤية من خلال هيمنة مبدأ الوحدة ومبدأ الوئام على رؤيتنا للعالم ، ومن ثم نبذ التجزئة والصراع . مع عدم التواني عن ردع أو منع الاعتداء من المحيط الخارجي ، وبخاصة أن منطقتنا العربية تتعرض لعدوان سافر غير مسبوق من جانب القوى الاستعمارية والصهيونية ، وعلى وجه الخصوص مثلما هو حادث في كل من فلسطين والعراق.
ولا يعبر مبدأ الوحدة عن مجرد فكرة نظرية أو فلسفية مثالية ، وإنما هو متجذر اجتماعياً في وحدة الجنس البشري ، وروحياً في وحدة الدين ورسالته من حيث مصدرها وغايتها معا ً، ولذلك فنحن ننطلق في رؤيتنا للعلاقات الخارجية من المبادئ الآتية :
1ـ وحدة الجنس البشري ؛ حيث قـرر الإسلام وحـدة الجنس والنسب للبشر جميعاً ؛ فالناس لآدم ، وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف، والتعاون لا التخاذل ، والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على جميع المواطنين .
وبهـذا التقرير نعتقد أن الإسلام قد نفي أية شرعية لكل دعاوى التعصب للأجناس ، أو الألوان ، أو الأعراق ، وبالتالي نفى أية شرعية للحروب والمنازعات التي تنشأ على أي خلفية من هذه الخلفيات.
2ـ وحدة الدين ؛ حيث نعتقد أن الإسلام قرر وحدة "الدين" في أصوله العامة ، وأكد على أن شريعة الله تعالى للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان والعمل الصالح والإخاء ، وأن الأنبياء جميعاً مبلغون عن الله ، وأن الكتب السماوية جميعاً من وحيه ، وأن المؤمنين جميعاً في أية أمة كانوا هم عباده ،وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده، ويتناقض مع غايته ومقاصده .
إن رؤيتنا المعرفية للعالم على هذا النحو الذي قدمناه تنفي كـل مصادر الفرقة والحقد والخصومة والنـزاع بين الناس من أي دين ومن أي جنس أو من أي لون كانوا ،ولم تقف عند حدود التمهيد النظري،أو الخطاب العاطفي، بل فتحت باب التعاون العملي والتواصل الفعلي والعمل المشترك والتعايش السلمي.
ويؤكد مؤسسي الحزب–مرة أخرى– على بنيوية فكرة السلام وأصالتها في رؤيتهم على كافة المستويات؛ ابتداءً من الفرد المواطن ، مروراً بالأسرة والجماعة والمجتمع والدولة ، وصولاً إلى النطاق العالمي بأسره . إنها رؤية متكاملة ندعو للنظر من خلالها إلى العالم باعتباره كلاً متناسقا"، والسلام قرين التناسق، ولا تأتي الحرب إلا بالخروج من هذا التناسق بالبغى والظلم ، أو بالفساد والتنازع ؛ فترده الحرب الموقوتة إلى السلام الدائم من جديد.
إن نظام العلاقـات الدولية الذي يؤمن به مؤسسو الحزب تحكمه قيم "العدالة" و"المساواة" و"الحرية"، وتحوطه أخلاقيات "الوفاء بالعهود" ، و"الأمـانة" و"الصدق"، وتقـوده مبادىء "التعـاون" و"الاعتماد المتبادل" و"العمل المشترك"، وبيان هذه المنظومة من القيم والمبادىء كما يلي :
1-العدالة
تعنى العدالة في أبسط معانيها "إعطاء كل ذي حق حقه" ؛ دون تأثر بمشاعر الحب لصديق،أو الكراهية لعدو، ويقتضي تطبيق "العدالة" في مجال العلاقات الدولية أن تُبنى كافة العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على أساس كفالة العدالة لكافـة الأطراف، وعدم الجور على طرف فيها، فضلاً عن تحريم إلحاق الظلم بجماعة، أو فئة، أو أقلية ما، من جراء هذا الاتفاق، أو تلك المعاهدة.
كذلك فإن القوانين المنظمة للشئون الدولية وللعلاقات بين أشخاص القانون الدولي ـ دولاً ومنظمات وهيئات وأفراداً ـ يجب أن يكون أساسها وهدفها هو تحقيق العدالة.
إن إقرار العدالة -النافية للظلم والاستغلال والقهر- يوفر ضمانة كبرى لكل مظلوم، مواطناًً فرداً كان أو جماعة أو أقلية أو شعباً ؛ بأن حقه لم يذهب سدى ، وأن بإمكانه المطالبة بـه واسترداده ، ومن ثم يبقى الأمل قائماً والسعي مستمراً من أجل إعادة الحق إلى نصابه ؛ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي .
وثمة علاقة وثيقة بين إقرار العدالة ، وإقرار السلام ؛ فإذا اختلت العدالة فإن السلام يصبح بطريقة تلقائية في خطر ، الأمر الذي يتطلب اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بإزالة مصدر الخلل بكل وسيلة مشروعة ؛ وذلك باستخدام كافة الوسائل ـ بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ـ للقضاء على الظلم والبغي ، والإكراه ، أو أي مصدر آخر من مصادر الخلل ؛ دفعاً للضرر وجلباً للمصلحة على قاعدة العدالة التي تعطى كل ذي حق حقه.
2ـ المساواة في الأخوة الإنسانية
إن مؤسسي الحزب يؤكدون على أن رؤيتهم للعالم تستند على "وحدة البشرية" من حيث انتمائها إلى أصل واحد ، وفي ظل هذه الرؤية المبدئية تأتي قيمة المساواة بتطبيقاتها المتعددة ؛ التي سيلتزم بها حزبنا في سياسته الداخلية وفي علاقاته الخارجية.
إن وحدة الجنس البشري تقتضي في نظر مؤسسي الحزب المساواة التامة بين الناس جميعاً ؛ بجماعاتهم وشعوبهم ،من حيث إتاحة فرص متساوية للحصول على الحقوق الأساسية للإنسان وللتمتع بها ؛ فإذا توفرت الفرص المتساوية أمام الجميع يكون التفاوت النسبي بينهم بعد ذلك راجعاً إلى ما يبذلونه من جهد وعمل ، وإلى ما يحققونه من إنتاجية متميزة ، وإلى ما يملكونه من قدرات على التحصيل العلمي والتقدم الحضاري.
ويفرض علينا مبدأ المساواة في سياستنا الخارجية ألا نقبل أي وضع ينتقص من الحقوق الأساسية لأي شعب من الشعوب ، وأن نبادر بتقديم الأفكار واقتراح الحلول والسياسات التي تسهم في إزالة كافة أشكال التمييز العنصري أو العرقي ، وألا ندخل أو نشارك في أية علاقة دولية –في صورة معاهدة أو تحالف،أو اتفاقية … إلخ- تستهدف الإخلال بمبدأ المساواة ، أو يكون من شأنها تكريس وضع ما من أوضاع التفرقة العنصرية ، أو مساعدة جماعة أو دولة على ممارسة سياسة التطهير العرقي ، أو الاضطهاد المذهبي أو الطائفي أو الديني ، وكلها ظواهر لا يزال العالم يعاني من آثارها المدمرة ، ولم تفلح دعاوى العولمة في القضاء عليها ، بل ربما زادتها وغذت عوامل بقائها.
3ـ الحرية
ينبع مبدأ الحرية -في أحد أبعاده الرئيسية- من قيمة المساواة بين بني البشر ؛ فانتماؤهم إلى أصل واحد يقتضي "المساواة" بينهم ، وهذه بدورها تقتضي أن الناس جميعاً يولدون أحراراً ويظلون كذلك ما داموا على قيد الحياة ، ومن ثم فاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان أمر مرفوض؛ وليس من إرادة ال له، ولا من الطبيعة السوية للبشر.
ولمّا كان هذا الاستعباد وارداً بحكم النزعات العدوانية والرغبة في السيطرة على الآخرين وتحقيق مصالح اقتصادية أنانية ،فإن مؤسسي الحزب يرون ضرورة إزالة كافة صوره وأشكاله.
ليست "الحرية" في نظر مؤسسي الحزب باباً للفوضى أو لممارسة العدوان ؛ وإلا لانقلبت إلى "حـرب الجميع ضـد الجميع" على حد تعبير ـ فيلسوف الحداثة توماس هوبزـ وإنما هي الحرية المسئولة والمنضبطة بضوابط "العدالة" وحدود "المساواة"، وفضائل "الأخلاق" ، وهي قيم مرتكزة في فطرة الإنسان التي فطره الله عليها ، ليست مجهولة المصدر أو بنت الطبيعة كما يذهب كثير من الفلاسفة الطبيعيون والماديون.
وفي ضوء مضمون الحرية الذي يؤمن به مؤسسو الحزب على النحو المذكور، يمكن متابعة تطبيقاتها العملية على صعيد العلاقات الدولية ، ومن أهم هذه التطبيقات ما يلي :
أ ـ الإقرار بسياسة الأبواب المفتوحة في محيط العلاقات الدولية، ورفض سياسة العزلة والانغلاق ؛ ذلك لأن سياسة الباب المفتوح هي التي تتيح فرصاً متساوية وعلاقات متكافئة للأفراد والجماعات والشعوب لكي تمارس حريات التنقل ، والإقامة، والدخول والخروج والعمل ، والتملك … الخ ، أما سياسة العزلة والانغلاق فإنها تتضمن بالضرورة قيوداً على ممارسة مثل هذه الحريات إلى حد الحرمان منها في بعض الحالات.
ب ـ بطلان الأوضاع التي تنشأ نتيحة للقسر والإكراه ؛ حتى لو تكرست عبر اتفاقيات أو معاهدات أو بحكم الأمر الواقع ، فهذه كلها تتنافى مع قيمة الحرية ، ولابد لسياستنا الدولية أن تعمل لتصحيح الأوضاع بما يتفق مع هذه القيمة .
ج ـ إن "الحرية " في أبعادها الاجتماعية والسياسية ؛ حسب ما يؤمن به مؤسسو الحزب ، لا تعتبر فقط موضوعاً داخلياً في المجتمع المصري ، ولكنها تتصل اتصالاً مباشراً بجوانب مهمة من العلاقات الدولية مع الشعوب والأمم الأخرى أو بالأحرى مع الهيئات والمؤسسات والسلطات التي تمثلها وتعبر عن مصالحها.
ويؤمن مؤسسو الحزب يعتبرون الرقابة الروحية ، والوصاية على الضمير والمعتقد الديني إهانة لكرامة الإنسان ، وإهداراً لحقه في الحرية ؛ بل وتعدياً على إرادة الله سبحانه وتعالى ، وعليه فإن الحزب في ميدان العلاقات الدولية يدعوا إلى مراعاة هذه المبادئ ويسعى إلى تطبيقها وتحقيق أهدافها السامية في خدمة الوطن خاصة وجميع شعوب العالم عامة ، وفي مقدمتها شعوب أمتنا العربية والإسلامية.
4ـ الوفاء بالعهود والمواثيق
حتى لا تظل قيم العدالة والمساواة والحرية مجرد أمنيات فإن مؤسسي الحزب يرون أنه من الضروري ترجمتها إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع : في التصرفات الفردية ، والسلوكيات الجماعية ، وفي السياسات والعلاقات الدولية كذلك ، وتتم هذه الممارسات في الأحوال العادية بطريقة تلقائية لتحكم وتنظم مختلف العلاقات الاجتماعية في المجالات كافة ، وعلى المستويات كلها ، ويكون الالتزام الفعلي بمعايير العدل والمساواة والحرية وفاءً لتلك القيم العليا وللفضائل الإنسانية في مجملها.
ولكن كثيراً ما تقتضي المعاملات -فيما بين الأفراد وبين الدول والهيئات والمنظمات المختلفة أيضاً- أن توضع هذه القيم في صورة عقود أو عهود ومواثيق تمليها اعتبارات عملية ونفسية وأخلاقية متعددة ومتغيرة حسب ظروف الزمان والمكان ، وفي مثل هذه الحالات يؤمن مؤسسو الحزب بأن الواجب هو احترام العهود والوفاء بالعقود والالتزامات على أكمل وجه، مع الحذر من الغدر والخيانة ونقض العهد.
إننا نؤكد بقوة وبوضوح على أن الوفاء بالعهود والمواثيق" يعد عاملاً أساسياً وحاسماً في عملية التفاعل المنتظم" في العلاقات الدولية. كما أن قاعدة الوفاء والأخلاقيات المرتبطة بها لا تقتصر فقط على الجوانب الشكلية أو القانونية ، وإنما تمتد لتصبح أداة من أدوات ترسيخ مبادئ التعاون والتعايش ، وعاملاً أساسياً لترسيخ ثقافة السلام حيث أن الإخلال بالتعهدات ونقض المواثيق هو أحد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الحرب وتجدد النزاعات ، ومتى ما نشبت الحرب فإن معظم المعاهدات والاتفاقيات تسقط تلقائياً إلى أن تضع الحرب أوزارها ويتم الاتفاق من جديد من أجل إقرار السلام وهكذا إلى أن يتم الالتزام بالعهود والوفاء بالعقود على أسس العدالة والمساواة والحرية .
5ـ الاعتراف بالتعددية واحترام الخصوصية الثقافية
يجب الاعتراف "بالتعددية" الحضارية ، والثقافية والسياسية ، والعقائدية واحترامها؛ ذلك لأن التنوع والاختلاف من سنة الحياة الاجتماعية ، وإن محاولة طمس الاختلافات وتنميطها في قالب واحد أمر لا يأتي إلاّ عن طريق الجبر والإكراه ، وهما والحرية ضدان لا يجتمعان ، وكذلك يجب التأكد على احترام خصوصية ثقافة كل بلد ، والمنطقة التي تعيش فيها هذه الثقافة ، وعدم محاولة فرض نموذج ثقافي معرفي على أي ثقافة مخالفة .
6ـ التعاون والاعتماد المتبادل
يرى مؤسسو الحزب ضرورة قيام العلاقات الدولية على أساس "التعاون" المبني على تبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة ، في إطار من السعي الدائب إلى تحقيق الخير الإنساني العام .
ويتضمن الأمر "بالتعاون" تقرير الاعتماد المتبادل كسياسة عامة في تسيير العلاقات بين مختلف أطراف الوجود الاجتماعي ـ الأفراد والجماعات والدول ـ ذلك لأن التعاون لا يكون إلا بين أكثر من طرف ، واللجوء إليه يعني أن كل طرف لا يستطيع بمفرده القيام بأداء مهمة ما ، أو تحقيق هدف معين ، ومن ثم فإن كلاً منهما يعتمد على الآخر في تحقيق بعض أهدافه، وإذا قام هذا التعاون أو "الاعتماد المتبادل" على أسس المصالح النافعة ، فإن الحصيلة النهائية له ستصب في الصالح الإنساني العام ، أو بالأقل لن تلحق الضرر بالأطراف الأخرى غير الداخلة في هذا "التعاون" بعينه . وكلها أمور بات العالم في أمس الحاجة إليها مع تزايد الآثار السلبية لسياسات العولمة غير العادلة التي أدت إلى زيادة الضعفاء ضعفاً والأقوياء قوة.
إن التعاون الذي ننشده في العلاقات الدولية يجب أن يكون منضبطاً بمقتضيات قيم "العدالة" و"المساواة في الأخوة الإنسانية" و "الحرية" و "الوفاء" بالعهود والالتزامات واحترام الخصوصيات الثقافية ، ونؤكد على أن أي إخلال بهذه القيم حتى لو أخذ شكل علاقة تعاونية معناه الحكم ببطلان هذه العلاقة وفقدانها للشرعية ؛ حيث أن "القيم" في نظرنا لا تتجزأ "ولا ينفي بعضها بعضاً".
إن التحدي الأساسي الذي تواجهه العلاقات الدولية في الواقع الراهن ، وفي المستقبل المنظورـ يتمثل في اختلال واقع العلاقات الدولية وابتعاده عن المبادئ والقيم التي تكفل التعاون والسلام والحرية لجميع الأمم والشعوب ، هذا من جهة ، كما يتمثل هذا التحدي من جهة أخرى في كيفية الخروج من هذا الواقع والإسهام في بناء نظام عالمي عادل للعلاقات الدولية؛ وفقاً لرؤية مستقبلية مبنية على معايير العدالة والمساواة والحرية والوفاء بالعهود والتعاون البناء .
وإذا قسنا الواقع الراهن للعلاقات الدولية بتلك المبادئ والمعايير التي يؤمن بها مؤسسو الحزب ، سنجد أن ثمة فجوة كبيرة تفصله عنها ، وأن هذه الفجوة ليست في الحدود المعقولة المقبولة -عادة- بين المثال والواقع ، أو بين النظرية والممارسة ، ولكنها كبيرة جداً ،بل وآخذة في الاتساع باستمرار ، الأمر الذي يزيد العلاقات الدولية اختلالاً من وجهة نظرنا.
ويدعو المؤسسون إلى أنه يجب أن تسخر الثورة الهائلة في نظم الاتصالات الحديثة ، ووسائط نقل المعلومات من أجل تعميق "التعارف" بين الشعوب والأمم، وفي إغناء بعضها بمعرفة ثقافات وخصوصيات البعض الآخر.بدلاً من أن يتم توظيفها في خدمة أغراض ومصالح أنانية ، أوفي ممارسة الهيمنة بالقوة الناعمة إلى جانب القوة الخشنة ، وتجاهل التعرف على الأطراف الأضعف في هيكل النظام الدولي ، بل والسعي لطمس هوياتها وثقافاتها لصالح القوة المهيمنة.

مستقبل العلاقات الدولية

إن رؤية مؤسسي الحزب في العلاقات الدولية تهدف أساساً -كما أسلفنا- إلى إقرار السلام العالمي الإنساني ، وعليه فإن منظومة القيم المعيارية لهذه النظرية تبين –بيقين- أن رؤيتنا ذات طابع إنساني عام ، وأن السلام والأمن والتعاون والحرية والمساواة كلها قيم ومبادئ يجب أن تحتل موقعاً مركزياً في صلب النظام العالمي الذي ينشده حزبنا ويسعى للوصول إليه بالتعاون مع كل القوى والهيئات والحكومات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية.
إن رؤيتنا –بهذا المعنى الذي قدمناه- تمتلك الكثير الذي تسهم به في صياغة مستقبل أفضل للعلاقات الدولية على كافة مستوياتها الإقليمية والعالمية ، وفي كل مجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية ، وبخاصة أن جميع محاولات التجديد ـ في صيغة نظام عالمي جديد ، أو بدعوى العولمة ـ على مستوى النظام الدولي قد باءت بالفشل ، ولم تؤد إلاّ إلى تغذية مصادر التوتر والصراعات القائمة ، وفتحت أبواباً جديدة لعدم الاستقرار ، والإخلال بقيم العدالة والمساواة في الأخوة الإنسانية والحرية والتعاون المتبادل.
وحتى يمكن الخروج من أسر سلبيات الواقع الراهن للعلاقات الدولية إلى المستقبل المرغوب من المنظور الذي يتبناه مؤسسو الحزب ، ووفقاً لمبادئه العامة ؛ فإن الأمر يتطلب وضع استراتيجيات جماعية "تستند إلى منظومة القيم النظرية المشتركة بين كافة الأمم والشعوب أينما كانت في الشرق أم في الغرب ، في الشمال أم في الجنوب ؛ بحيث لا تنفرد قوة وحيدة ، أو مهيمنة ، بوضع هذه الاستراتيجيات ، وأن تسعى لقلب ودحض معايير القوة المحضة ، والتمييز (العنصري والديني والثقافي .. الخ) وازدواجية السلوك الدولي ، وانفصام الأخلاق عن السياسة ؛ باعتبار أن هذه هي المعايير السائدة والمسيرة لمجمل العـلاقات الدولية الراهنة ، والمتسببة ـ في الوقت نفسه ـ في خلق مصادر التوتر والنزاعات ، وفي وقوع الصراعات والحروب وإلحاق المظالم بالشعوب المستضعفة.
ويتطلب هذا التحدي المستقبلي ـ حسب رؤية مؤسسي الحزب ـ جهوداً مكثفة ومخلصة من كافة أطراف المجتمع الدولي ، وفي هذا السياق نعتقد أيضاً أن الأمة العربية والإسلامية بشعوبها وعلمائها ودولها ومنظماتها الحكومية والأهلية، تتحمل مسئولية كبيرة تجاه ذاتها أولاً ، وتجاه بقية أمم العالم ثاني اً، وذلك بحكم عالمية الرسالة التي تحملها ، وبحكم ما تقدمه هذه الرسالة من قيم ومبادئ عامة كفيلة بتحقيق آمال البشرية في عالم أفضل ، وفي بناء نظام عادل وآمن تتطلع إليه كافة شعوب الأرض ؛ ليحقق لها الاستقرار والتقدم وتسود فيه قواعد التنسيق والتعاون، وتنتفي منه قواعد الإخضاع والاستتباع القسري.

القضية الفلسطينية

تحتل قضية فلسطين موقعاً مركزياً في فكر واهتمامات مؤسسي الحزب ، كما تحتل الموقع نفسه لدى أغلبية التيارات الفكرية والقوى السياسية المصرية ؛ وذلك باعتبارها قضية أمن قومي لمصر والعالم العربي ، وقضية تحرر وطني ، وقضية حقوق إنسان للشعب الفلسطيني المظلوم . كانت هذه القضية كذلك ولا تزال تحتل موقعاً مركزياً في العالم العربي ولدى المصريين منذ بداية هذه بدايتها في العصر الحديث ، من قبل أن تنشأ إسرائيل وبعد قيامها . وطوال حروب عديدة شاركت فيها مصر من أجل القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وعام 1956وعام 1967 وعام 73 ظلت هذه القضية محورا أساسيا للعلاقات الخارجية المصرية حتى الآن وستظل كذلك .
ومنذ نشأت هذه القضية، وهي قضية احتلال غير مشروع لأرض فلسطين، وهى قضية تهم المصريين مثل ما تهم الفلسطينيين والعرب جميعا والعالم الإسلامي ، وهي مفتاح استقرار لهذه المنطقة من العالم ، وبالتالي تؤثر في قضية الاستقرار العالمي . ويرى المؤسسون أن هذه القضية تحتاج في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور إلى العمل أكثر مما تحتاج إلى الكلام ، ونظرا للتعقيد الذي صاحب هذه القضية طوال تاريخها فأن مؤسسي الحزب يلخصون ما يجب عمله بشأنها في ضوء المبادئ والمحددات الآتية :
1- تأكيد عروبة فلسطين وأنها جزء عزيز من العالم العربي .
2- إن المسؤولية عن القضية الفلسطينية ـ إلى جانب مسئولية الشعب الفلسطيني ـ هي أيضا مسؤولية عربية تخص كل العرب ، وكذلك مسئولية العالم الإسلامي ، بل و مسؤولية الأحرار في العالم كله ؛ إذ هي قضية ذات بعد إنساني يهم كافة شعوب العالم نظراً للمعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني .
3- يؤكد المؤسسون على حرمة المقدسات الدينية ( جميعها ) في فلسطين ووجوب الدفاع عنها بكل الوسائل الشرعية والقانونية .
4- وفقاً للمعايير الدولية والشرائع السماوية والأعراف الإنسانية فإن حق الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ( سواء في الداخل أو في الشتات ) في تقرير مصيره وتكوين دولته المستقلة هو حق واجب الاعتراف به والعمل على إنفاذه .
5- يؤكد المؤسسون على حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وهو حق طبيعي ـ وفقاً لكل المرجعيات السابق الإشارة إليها ـ كما يؤكدون على كل ما يترتب على هذا الحق من آثار ( أي حق العودة والتعويض ) .
6- يؤكد المؤسسون أيضاً على الحق الكامل للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة ، بما فيها القوة المسلحة باعتبارها مقاومة مشروعة نصت عليها المواثيق والمقررات والأعراف الدولية كحق ثابت لأي شعب في مواجهة الاحتلال ، وليست عملا ًإرهابياً كما تزعم الدولة المحتلة ذاتها ومن سار على دربها .

العلاقة مع الغرب وصراع الحضارات

يرى المؤسسون بخصوص العلاقة مع الغرب أن الاتجاهات الفكرية والقوى السياسية في المنطقة العربية انقسموا إلى فريقين : فريق يرى في الغرب عدواً يجب مقاطعته وعدم التعامل معه فضلا ًعن محاربته ما أمكن . وفريق آخر يرى وجوب اللحاق به بشكل كامل ؛ أي التبعية التامة للغرب فكراً وسلوكاً وسياسة.......الخ .
لكن هناك فريقاً ثالثاً في المنطقة ، ينتمي إليه مؤسسو هذا الحزب ، وهم الذين يرون أن التعامل مع الغرب يجب أن يكون بشكل مختلف عن كل من طريق الرفض التام وطريق القبول التام ، وأن يكون التعامل وفقا للمبادئ والقيم التي ذكرها مؤسسو الحزب في بداية هذا المحور تحت عنوان مبادئ وقيم العلاقة الدولية ، وعلى هذا يرى المؤسسون أن العلاقات مع الغرب تحكمها هذه المحددات :
1ـ أن الغرب ليس كياناً واحداً ، ولكنه مثل الشرق ، ومثل بلادنا ، به كثير من ألوان الطيف والتعدد السياسي والديني والمذهبي والقوى المختلفة ؛ وعليه يجب مراعاة تلك الفروق الموجودة في الغرب عند الدخول معه في علاقات ومعاملات ، فهناك مثلاً قوى وشخصيات موقفها متوازن ، وكثير منها متعاطف مع العالم العربي والإسلامي ومتعاطف مع قضايانا العادلة ، وموقفنا من مثل هذه القوى يختلف عن موقفنا من قوى وتيارات أخرى تعلن مواقف معادية لمصالحنا وقضايانا العادلة .
2ـ أن علاقة مصر مع القوى والتيارات الغربية يجب أن تقوم وفق معايير العدالة والتصرفات والقرارات التي تتبناها تلك القوى والتيارات تجاهنا وتجاه قضايانا بل وتجاه قضايا العدالة والسلام في العالم كله .
3ـ أن احترام المصالح المتبادلة بيننا وبين أي دولة في الغرب يجب أن يكون معياراً آخر في قبول هذه العلاقة أو رفضها ؛ لأن هناك تاريخاً طويلًا من النظرة الاستعلائية إلى بلادنا خصوصاً ـ وبلاد الجنوب عموماً ـ على أنها ( أي هذه البلاد ) هي مصدر للموارد الطبيعية وسوق لتصريف المنتجات دون النظرللمصالح الوطنية لأهل هذه البلاد .
4ـ يؤمن المؤسسون أن " الحكمة ضالة المؤمن " فهم يبحثون عن الحكمة والفائدة والمصلحة والخبرة في أي مكان ، ولا شك أن لدى العالم الغربي تجارب معرفية وحضارية كثيرة يجب الاستفادة منها وتعلمها ونقلها والبناء عليها لنسهم في استمرار المسيرة الحضارية للإنسانية بعطائنا الخاص .
5ـ يدرك المؤسسون أن العالم تسوده في العصر الراهن حضارة إنسانية واحدة ، وأن مختلف الحضارات والثقافات أسهمت في بنائها ؛ ومنها الحضارة العربية الإسلامية في فترة ازدهارها ، وبالتالي فإن كثيرًا مما لدى الغرب الآن هو من حصيلة إسهامات متعددة ، وتجارب متنوعة للأمم والشعوب ، وفي مقدمتها أمتنا العربية والإسلامية.
6ـ يؤمن المؤسسون أن جوهر الدين هو التواصل والتعاون الإنساني على أسس من العدل والبر والخير ، بالتالي فإن أي دعوة للتصادم والحرب هي في حقيقتها دعوة تناقض فكرة التدين والإيمان ، إلا إذا كانت دفاعاً مشروعاً عن النفس ومقاومة للعدوان والاحتلال . ومن ثم فنحن لا نوافق أنصار نظرية صراع الحضارات في العالم الغربي من مفكرين ومثقفين ، ولا أنصارها في العالم العربي من بعض القوى المتطرفة ، ونؤكد على رفضنا لفكرة الصراع ، ونساند وندعم التيار الرئيسي في العالمين العربي والغربي والعقلاء في كل مكان من الذين يرفضون بقوة فكرة صراع الحضارات ، ويدعون إلى تعاون الحضارات وتعارفها وتكاملها.

ليست هناك تعليقات: